[size=21]وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة
محبته لها
إكرام أصحابها
الحنين والشوق لها
ولكل ما يتصل بها
وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها
وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها
وحبه لها حتى بعد موتها

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
(( مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ ، هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي ، وَمَا رَأَيْتُهَا قَطُّ لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا ، وَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيُهْدِي فِي خَلائِلِهَا مِنْهَا مَا يَسَعُهُنَّ ، وفي لفظ (ثُمَّ يُهْدِي فِي خُلَّتِهَا مِنْهَا) ، وفي لفظ (وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيَتَتَبَّعُ بِهَا صَدَائِقَ خَدِيجَةَ فَيُهْدِيهَا لَهُنَّ ))[1]

قَوْلها (فِي خَلائِلهَا) : جَمْع خَلِيلَة أَيْ صَدِيقَة ، وَهِيَ أَيْضًا مِنْ أَسْبَاب الْغَيْرَة لِمَا فِيهِ مِنْ الإِشْعَار بِاسْتِمْرَارِ حُبّه لَهَا حَتَّى كَانَ يَتَعَاهَد صَوَاحِبَاتهَا .
قَوْلها(مَا يَسَعُهُنَّ) : أَيْ مَا يَكْفِيهِنَّ كَذَا لِلأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيّ "مَا يَتَّسِعْهُنَّ"أَيْ يَتَّسِع لَهُنّ ، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ"يُشْبِعهُنّ"مِنْ الشِّبَع
وَقَالَ النَّوَوِيّ : فِي هَذِهِ الأَحَادِيث دَلالَة لِحُسْنِ الْعَهْد ، وَحِفْظ الْوُدّ ، وَرِعَايَة حُرْمَة الصَّاحِب وَالْمُعَاشِر حَيًّا وَمَيِّتًا ، وَإِكْرَام مَعَارِف ذَلِكَ الصَّاحِب .ا.هـ[2]

وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الأَدَب الْمُفْرَد مِنْ حَدِيث أَنَس قال :
(( كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُتِيَ بِالشَّيْءِ يَقُول : اِذْهَبُوا بِهِ إِلَى فُلانَة فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَة لِخَدِيجَة )).[3]

و هذا كله من حب النبيصلى الله عليه وسلم لخديجة حية وميتة ، والوفاء لها بعد موتها ، حتى أنه كان يتعهد صديقاتها بالطعام والسؤال والإحسان ، وذلك لإن الذي يحب إنسانًا فهو يحب كل ما يذكره به ويحب ما كان يحب وهذا واضح جلي من تعلق النبي صلى الله عليه وسلم الدائم بذكرها والثناء عليها وإكرام صديقاتها من أجل خديجة رضي الله عنها ، فبرغم طول العهد بالبعد عنها بعد موتها إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم ظل ذاكرًا لها ، وشدة مبالغته في هذا الأمر هو الذي أثار تلك الغيرة الفطرية في قلب عائشة رضي الله عنها .
و مما يدل على هذا أيضًا ما جاء

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
(( اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاعَ (فَارْتَاحَ) لِذَلِكَ ، فَقَالَ اللَّهُمَّ هَالَةَ .
قَالَتْ : فَغِرْتُ ، فَقُلْتُ : مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا )).ا.هـ[4]

وعند أَحْمَد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ :
(( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ ، قَالَتْ : فَغِرْتُ يَوْمًا فَقُلْتُ : مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا ، حَمْرَاءَ الشِّدْقِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا .
قَالَ صلى الله عليه وسلم : مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا ، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ ))[5]

وفي رواية قَالَتْ عَائِشَة رضي الله عنها :
فَقُلْت : أَبْدَلَك اللَّه بِكَبِيرَةِ السِّنّ حَدِيثَة السِّنّ ، فَغَضِبَ حَتَّى قُلْت : وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لا أَذْكُرهَا بَعْد هَذَا إِلا بِخَيْرٍ ))

وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت :
(( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ لَقَدْ أَعْقَبَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ امْرَأَةٍ - قَالَ عَفَّانُ - مِنْ عَجُوزَةٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ مِنْ نِسَاءِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ قَالَتْ : فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ تَمَعُّرًا مَا كُنْتُ أَرَاهُ إِلا عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ أَوْ عِنْدَ الْمَخِيلَةِ حَتَّى يَنْظُرَ أَرَحْمَةٌ أَمْ عَذَابٌ ))[6]
وفي رواية قالت :
(( فرأيته غضب غضبًا ، أُسْقطْتُ في خلدي ، وقلت في نفسي : اللهم إن أذهبت غضب رسولك عني لم أعد أذكرها بسوء ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما لقيتُ ، قال :
(( كيف قلتِ ؟ والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس ، وآوتني إذ رفضني الناس ، ورزقت منها الولد ، وحرمتموه مني ))
قالت : فغدا وراح عليَّ بها شهرًا)).[7]

قَوْلها : ( اِسْتَأْذَنَتْ هَالَة بِنْت خُوَيْلِد ) هِيَ أُخْت خَدِيجَة وَقَدْ هَاجَرَتْ إِلَى الْمَدِينَة ( فَعَرَفَ اِسْتِئْذَان خَدِيجَة ) أَيْ صِفَته لِشَبَهِ صَوْتهَا بِصَوْتِ أُخْتهَا فَتَذَكَّرَ خَدِيجَة بِذَلِكَ .
وَقَوْلها : " اِرْتَاعَ " مِنْ الرَّوْع أَيْ فَزِعَ ، وَالْمُرَاد مِنْ الْفَزَع لازِمه وَهُوَ التَّغَيُّر .
وَوَقَعَ فِي بَعْض الرِّوَايَات " اِرْتَاحَ " أَيْ اِهْتَزَّ لِذَلِكَ سُرُورًا و هَشَّ لِمَجِيئِهَا ، وَسر بهَا لِتَذَكُّرِهِ بِهَا خَدِيجَة وَأَيَّامهَا . وَفِي هَذَا كُلّه دَلِيل لِحُسْنِ الْعَهْد ، وَحِفْظ الْوُدّ ، وَرِعَايَةِ حُرْمَةِ الصَّاحِب وَالْعَشِير فِي حَيَاته وَوَفَاته ، وَإِكْرَام أَهْل ذَلِكَ الصَّاحِب .
وَقَوْله " اللَّهُمَّ هَالَة " أي اِجْعَلْهَا هَالَة أو أَيْ هَذِهِ هَالَة وَفِي الْحَدِيث أَنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَحَبَّ مَحْبُوبَاته وَمَا يُشْبِههُ وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ .
قَوْلها : ( حَمْرَاء الشِّدْقَيْنِ ) فعَائِشَة أَوْرَدَتْ هَذِهِ الْمَقَالَة مَوْرِدَ التَّنْقِيص ، وَاَلَّذِي يَتَبَادَر أَنَّ الْمُرَاد بِالشِّدْقَيْنِ مَا فِي بَاطِن الْفَم فَكَنَّتْ بِذَلِكَ عَنْ سُقُوط أَسْنَانهَا حَتَّى لا يَبْقَى دَاخِل فَمهَا إِلا اللَّحْم الأَحْمَر مِنْ اللِّثَة وَغَيْرهَا , وَبِهَذَا جَزَمَ النَّوَوِيّ وَغَيْره .
ولم يسكت النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة بل رد عليها قولها و بين لها أنه لم يأت أحد مثلها ، و في الحديث بيان لشدة غضبه صلى الله عليه وسلم لمقولتها)).[8]
و من صور تلك المحبة و الشوق الدائم لكل ما يتعلق بخديجة

# ما رواه الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَط مِنْ طَرِيق تَمِيم بْن زَيْد بْن هَالَة عَنْ أَبِي هَالَة عَنْ أَبِيهِ :
(( أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ رَاقِد فَاسْتَيْقَظَ فَضَمَّهُ إِلَى صَدْره وَقَالَ : " هَالَة هَالَة " .

وهو ابن خديجة ، وربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أخو هند ، وقد تقدم ذكرهما في البداية

0 وهذا مُشْعِرٌ بِمَزِيدِ مَحَبَّةٍ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لهَا .[9]

ومن ذلك أيضًا ما أَخْرَجَه الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ :
(( جَاءتْ عَجُوزٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
0 فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتُمْ كَيْفَ حَالُكُمْ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا ؟
0 قَالَتْ : بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ .
0 فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الإِقْبَالَ ؟
فَقَالَ : " يَا عَائِشَةُ إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَانَ خَدِيجَةَ وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنْ الإِيمَانِ " .

و من ذلك

ما روته عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ :
(( لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ ، بَعَثَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلادَةٍ لَهَا كَانَتْ عِنْدَ خَدِيجَةَ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ .
قَالَتْ : فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً ، وَقَالَ إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا .
فَقَالُوا : نَعَمْ .
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ عَلَيْهِ أَوْ وَعَدَهُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إِلَيْهِ وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلا مِنْ الأَنْصَارِ ، فَقَالَ : كُونَا بِبَطْنِ يَأْجَجَ حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَاهَا حَتَّى تَأْتِيَا بِهَا ))[10] .

( فَلَمَّا رَآهَا ) : أَيْ الْقِلادَة ( رَقَّ لَهَا ) : أَيْ لِزَيْنَب يَعْنِي لِغُرْبَتِهَا وَوَحْدَتهَا ، وَتَذَكَّرَ عَهْد خَدِيجَة وَصُحْبَتهَا ، فَإِنَّ الْقِلادَة كَانَتْ لَهَا وَفِي عُنُقهَا .
( قَالَ ) : أَيْ لأَصْحَابِهِ ( إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا) : أَيْ لِزَيْنَب(أَسِيرهَا):يَعْنِي زَوْجهَا ( الَّذِي لَهَا ) و ما كان الصحابة رضوان الله عليهم يترددوا في فعل ذلك الأمر ، لما شعروا به من تغير حال نبيهم صلى الله عليه وسلم ورقته لما رأي قلادة خديجة ، ولما أحسه من مشاعر المحبة لبنته عليها السلام ، وما كانوا يستطيعون أن يؤخروا رغبة لبنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رضي الله تعالى عنهم .

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ في أحدى روايات ذكر غيرتها :
(( مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ ، وَمَا رَأَيْتُهَا وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ ذِكْرَهَا ، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ .
فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلا خَدِيجَةُ ، فَيَقُولُ : إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ ))[11]، وعند أحمد ( أمنت بي إذ كفر بي الناس ، و صدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها ، و رزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء ) وعند مسلم قال صلى الله عليه وسلم (( إني رُزِقْت حُبَّهَا )).[12]
0 وهذا فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ حُبَّهَا فَضِيلَةٌ حَصَلَتْ .
$$$$$
و من صور إكرام النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة عليه السلام
#أنه لم يتزوج معها امرأة أخرى أبدًا في حياتها #

فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ :
(( لَمْ يَتَزَوَّجْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى خَدِيجَةَ حَتَّى مَاتَتْ ))[13] .
قال الحافظ في الفتح :
(( وهذا مِمَّا كَافَأَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِهِ خَدِيجَة فِي الدُّنْيَا أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّج فِي حَيَاتهَا غَيْرهَا ، وَهَذَا مِمَّا لا اِخْتِلاف فِيهِ بَيْن أَهْل الْعِلْم بِالأَخْبَارِ .
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى عِظَمِ قَدْرهَا عِنْده وَعَلَى مَزِيد فَضْلهَا لأَنَّهَا أَغْنَتْهُ عَنْ غَيْرهَا .
وَاخْتَصَّتْ بِهِ بِقَدْرِ مَا اِشْتَرَكَ فِيهِ غَيْرهَا مَرَّتَيْنِ ، لأَنه صلى الله عليه وسلم عَاشَ بَعْد أَنْ تَزَوَّجَهَا ثَمَانِيَة وَثَلاثِينَ عَامًا اِنْفَرَدَتْ خَدِيجَة مِنْهَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا وَهِيَ نَحْو الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْمَجْمُوع ، فمكثت خديجة مع النبي صلى الله عليه وسلم بمفردها خمسة عشر عامًا قبل البعثة وعشرة بعدها فهذه خمسة وعشرون ، وعاش صلى الله عليه وسلم مع باقي أزواجه ثلاثة عشر عامًا أي ما يعادل نصف المدة التي قضاها مع خديجة .
وَمَعَ طُول الْمُدَّة فَصَانَ قَلْبهَا فِيهَا مِنْ الْغَيْرَة وَمِنْ نَكَد الضَّرَائِر الَّذِي رُبَّمَا حَصَلَ لَهُ هُوَ مِنْهُ مَا يُشَوِّش عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، وَهِيَ فَضِيلَة لَمْ يُشَارِكهَا فِيهَا غَيْرهَا )).[14]
قال الذهبي :
(( ومن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنها لم يتزوج امرأة قبلها ، وجاءه منها عدة أولاد ، ولم يتزوج عليها قط ، ولا تسرى إلى أن قضت نحبها ، فوجد لفقدها ، فإنها كانت نعم القرين ، وكانت تنفق عليه من مالها ، ويتجر هو لها ))[15]

وفاة
أم لمؤمنين خديجة
رضي الله عنها






وفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها
lll

lتوفيت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها في أول شهر رمضان في السنة العاشرة من البعثة .

l وذلك قبل الهجرة بثلاث سنوات .

عن عروة بن الزبير قَالَ : (( تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلاثِ سِنِينَ فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ ))[16] .
lقال الذهبي :

((عن عائشة أن خديجة توفيت قبل أن تفرض الصلاة ، وقيل في رمضان ، ودفنت بالحجون[17] ، عن خمس وستين سنة )).[18]
قال الحافظ في الفتح : وَقَدْ أَخْرَجَ الإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى عَنْ هِشَام عَنْ أَبِيهِ " أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى الْوَلِيد : إِنَّك سَأَلْتنِي مَتَى تُوُفِّيَتْ خَدِيجَة ؟ وَإِنَّهَا تُوُفِّيَتْ قَبْل مَخْرَج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّة بِثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ قَرِيب مِنْ ذَلِكَ , نَكَحَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَة بَعْد مُتَوَفَّى خَدِيجَة , وَعَائِشَة بِنْت سِتّ سِنِينَ . ثُمَّ إِنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بَنَى بِهَا بَعْدَمَا قَدِمَ الْمَدِينَة وَهِيَ بِنْت تِسْع سِنِينَ " .[19]
lقال ابن كثير :

(( قال عروة بن الزبير : وقد كانت خديجة توفيت قبل أن تفرض الصلاة ، .. وقال البيهقي : بلغني أن خديجة توفيت بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام .. قال البيهقي : وزعم الواقدي أن خديجة توفيت قبل أبي طالب بخمس وثلاثين ليلة ))[20] .

l ولما حضرتها الوفاة دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أكره ما أرى منك ، وقد جعل الله في الكره خيرًا .[21]


l l l
lوقال ابن كثير :

((قال ابن إسحاق : ثم إن خديجة وأباطالب هلكا في عام واحد ، فتتابعت الأحزان على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلك خديجة ، وكانت له وزير صدق على الإسلام يسكن إليها )).[22]

l تولى غسلها أم أيمن رضي الله عنها مولاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأم الفضل زوجة عمه العباس .

l (و نزل النبي صلى الله عليه وسلمفي قبرها ، و لم تكن سنت صلاة الجنازة بعد ، و دفنت عليها السلام في الحجون).[23] بأعلى مكة المكرمة ، و عمرها خمس وستون سنة .

l وكانت وفاتها قبل فرض الصلاة ، و لما ماتت تتابعت الأحزان على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وثقلت عليه ، فقد ذهبت التي تواسيه و تخفف عنه و ترضيه و تطيب الحياة بعشرتها .

lقال الحافظ ابن حجر :
(( عن محمد بن عمر وأبي سلمى ويحيى بن عبدالرحمن بن حاطب قال :
جاءت خولة بنت حكيم إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقالت : يا رسول الله كأني أراك قد دخلتك خلة لفقد خديجة .
قال صلى الله عليه وسلم : أجل ، كانت أم العيال ، وربة البيت )).[24]

lوعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال :
(( وَجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خديجةَ ، حتى خُشي عليه ، حتى تزوج عائشة )).[25]

لا ريب أن أم المؤمنين خديجة عليها رحمات رب العالمين ورضوانه خير زوجة ارتضاها الله تبارك و تعالى لخير نبي وأفضل الخلق وحبيب رب العالمين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين .

لذلك ظل النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها ، ويثني عليها بالخير ويكرم صديقاتها ، وَقَدْ تَقَدَّمَ معنا بَيَان تَصْدِيقهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَوَّل وَهْلة ، وَمِنْ ثَبَاتهَا فِي الأَمْر مَا يَدُلّ عَلَى قُوَّة يَقِينهَا وَوُفُور عَقْلهَا وَصِحَّة عَزْمهَا .
لا جَرَمَ كَانَتْ أَفْضَل نِسَائِهِ عَلَى الرَّاجِح وَمِمَّا اِخْتَصَّتْ بِهِ سَبْقهَا نِسَاء هَذِهِ الأمَّة إِلَى الإِيمَان ، فَسَنَّتْ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ آمَنَتْ بَعْدهَا ، فَيَكُون لَهَا مِثْل أَجْرهنَّ ، لِمَا ثَبَتَ " أَنَّ مَنْ سَنَّ سُنَّة حَسَنَة .. الحديث "
وَلا يُعْرَف قَدْر مَا لها مِنْ الثَّوَاب بِسَبَبِ ذَلِكَ إِلا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فرضي الله عنها و أرضاها و عليها من ربها السلام .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الأنبياء والمرسلين


خاتمة
وأحب أن أزين خاتمة هذه السيرة العطرة الطيبة ، لأم المؤمنين خديجة عليها السلام بهذه القصيدة وقد نقلتها من كتاب ( السيدة خديجة ) لعبدالحميد محمود ، والذي كان قد نقلها هو الآخر عن الشيخ / محمد بدر الدين .

أم المؤمنين خديجة عليها السلام
يا خـدرها أو ما اهتززت إلى النـدا

يا خدرها كم كنت معراج الهـدى
وكم استفاض النور فيك وغردا



يا خدرها كم كنت مشرق رحمة


للروح إذ يلقى إليك محمدَا



في كل يوم غدوة أو روحة


من ربه يلقى السلام مرددا



ويجيء جبريل الأمين محيًيا


في قمة الفردوس ربي شيدا



ومبشرًا بالبيت من قصب لها

طُهرًا وتشريفًا ومجدًا مُفردَا



ما مثل خدرك يا خديجة رِفعةً





أهدى إلى الدنيا الرسالة والهدى



لولا حراءُ لكنت أول منزل


وترى الذي أَوْلَتْ خديجةُ أحمدَا



يا للجلال وأنت تُؤوي أحمدَا


وحديث إعجابٍ يهزُ المنتدى



آفاق مكة كلها عطر سرى


وتغضُّ هيبته العيون إذ بدا



وفتى يعانقه الجلال إذ غدا


غيثُ لمن في الناس يَفتقدُ الندى


حدثًا يُسمى بالأمين وكفهُ


مثلاً له : خُلُقًا كأنفاس الندى



لم تعرف البطحاء في أزمانها


كلا ولا الجدباء تنسيه الجَدا



لا تطفيء البأساء من إشراقه


أبت المحامد قبلهُ أن تُحشدَا



عفَّ اللسان أمينهم وصدوقهم





فسعى إليه عبدها متوددا



قد هز سيدة النساء حديثه


ويعود بالربح العظيم مزودا



ويسافر الفطن الأمين بمالها


عما جرى فيقصه مُستحمدًا



وخديجة اللهفى تسائل عبدها


ويفيض في الربح العظيم معددًا



يحكي عن الأموال كيف تكاثرت


إلا حديثًا قد يمس محمدًا



وخديجة لم تدر من أقواله


فطوى من الأموال ما قد عددا



وأحسَّ ميسرة كوامن سرها


لله لم أشهد أبرَّ وأمجدَا



سألته ما بال الأمين فقال يا


شَهِدتْ عيوني فوق ذلك مشهدا



بركاته زادت تجارتنا وقد


تحنو عليه إذا الهجير توقدا



في كل هاجرة تجيء غمامة


سارت وتمكث إن تبوَّأ مقعدا



شاهدتها في كل يوم إن يَسِرْ





والشوق في طي الضلوع توقدا



سَبحتْ خديجة في خواطر أمسها


أَرِقُ الخواطر قد أحب محمدا



من ذا يُبلغه بأن فؤداها


ماذا عليها أن أحبت أحمدا



بعثت إليه وإنها لأبِيَّةٌ

أَتُعابُ من ترجو الزواج لتسعدا



ماذا إذا خطبته وهي عفيفة


لكنها رضيت محمد سيدا



كم سيد قد جاء يخطب ودها


وأبى الفؤاد عزة أن يخمدا



إيهٍ خديجة قد سننت شريعة


أفكنتِ تدرين الذي يأتي غدا



وجعلت للفتيات حق تَخَيُّرٍ


أعرضت عمن في غناه تفردا



ورضيتِ بالشهم الفقير وقبله





لما استفاض النور وغردا



يا خدرها وغدوت معراج الهدى


إما تحير في الحياة وسهدا



يا حبها قد كنت سلوى أحمدٍ


رَصدٌ يُذيب الشامخ المتشددا



يا صبرها والناس حول حبيبها


بذهابه للغار كي يتعبدا



يا آية الإخلاص كيف رضاؤها


يرجو الدثار فما أجَلَّ وأمجدا



أمَّا البطولة إذا رأته مُفزعًا


في نفسه كاريَّ في إثر الصدى



وحديثها والله لن تخزى سرى


وتعينهُ بالمال حتى يصمدا



والحب تبذله كريمًا طيبًا


للقلب ثم أوت إليه مرشدا



رَضِتهُ زوجًا في الحياة وسيدًا


جُرحًا إذا بليَ الزمانُ تجددا



حتى انتهت أيامها تركت به








لا شيء ينسيه وإن يَكُ قد بدا



عامٌ من الأحزان عام فراقها


ينَضُو لدى أحضانها ما أجهدا



كانت لديه وحدها وكفى بها


يومًا وكان هناؤها أن يسعدا



لم يَشْكُ منها مرة أو تَجفهُ


فلقد تذكرها على طول المدى



ولئن تعددت الحلائلُ بعدها


لو كان يلقاها ويُشجيه الصدى



ويَحِنُّ إذ يلقى قريبتها كما


من قلبه يحكي الوفاء مجردًا



اللهم "هالة" يا حنانًا دافقًا


قال النبي معالمُ لن تجحدا



وحديثُ عائشةٍ وغيرتها وما


أن ليس أكرم من خديجة مَحْتِدَا



ينهلُ والدمعاتُ ملءُ حديثهِ


والشر في الوادي عَلَيَّ تَجردَا



آوت وأهدت مالها وتحملت


من نسلها أعلامُ صدقٍ للهدى



والعترةُ الغُرُّ الكرام جميعهم





وكم استفاض النور منك وغردا



يا خدرها كم كنت معراج الهدى


حملوا لنا نور النبوة مرشدًا



أهديتنا آل النبي أماجدًا


وبحبهم وحي المهيمن رددا



في وجههم تلقى مآثر جدِّهم


أرضت سرائرها النبي محمدَا



يا قبرها ولديك أكرم زوجةٍ


لحبا بها زوج الرسول ومجدَا



لو أن في التاريخ أسطر جوهرٍ


والصبرُ والإخلاصُ فيك تجسدَا



يا للبطولةِ في الزمانِ تَفَرُّدَا




وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيداللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميـد مجيدـ