الانتفاضة التونسية ويجعلها في صدارة اهتمام المواطن العربي ؟
الجانب الأول إنها ثورة شعبية صادقة استطاعت إجبار نظام بوليسي قمعي على أن يتخلى عن السلطة ويغادر البلد، الجانب الثاني والمهم جدا انها تمكنت من المحافظة على المنجز المتحقق ورفض أية سرقة لها من قبل أعوان وبقايا الح** الحاكم الذين تسيدوا حكومة الوحدة الوطنية ولكنهم لم يصمدوا أمام التظاهرات مما أجبرهم على الاستقالة .
الجانب الآخر وهو الأكثر أهمية حل الهيئة السياسية للح** الحاكم واعتباره من مخلفات النظام البائد ( يسمونه في تونس النظام البائد أيضا ) .
نستطيع القول بأن الإرادة التونسية نجحت حتى الآن بمنع أي التفاف على الثورة الشعبية أو مصادرتها تحت أية مسميات ثانوية .
والشعب التونسي بطبيعته ليس شعبا جاهلا وأميا بل هو شعب متعلم ذو ثقافة عالية ومنفتح في ذات الوقت ويحمل روح التسامح أكثر مما يحمل روح الضغينة وبالتالي فإن المشروع الوطني لتونس سيجد الأرضية الملائمة لبلورته بالشكل الذي يتناسب والنهج الديمقراطي الذي وعدت به حكومة الوحدة الوطنية في هذا البلد .
وتونس في تغييرها هذا تختلف كثيرا عن بقية الدول العربية التي شهدت تغييرات جذرية في نظام حكمها، فتونس بشكل أو بآخر حافظت على جيش مهني لعب دورا مهما في المحافظة على كيان الدولة ومارس هذا الدور بشكل نال رضا الشعب التونسي أولا والمجتمع الدولي بصورة عامة وبالتالي لم يسع قادة هذا الجيش إلا لنجاح الإرادة الشعبية، بل وعملوا على تطويرها عبر تصديهم للحرس الخاص للرئيس المخلوع الذي كان يجوب شوارع المدن التونسية ويطلق النار عشوائيا على المارة.
لهذا فإن القرارات التي اتخذتها حكومة الوحدة الوطنية والمتمثلة بقرار العفو العام عن كافة معتقلي الرأي، والتلويح بمحاسبة المفسدين من رجال بن علي وحاشيته، بل تعدى ذلك لإمكانية محاسبة بن علي ذاته واستعادة الأموال الكثيرة التي نهبت خاصة وإن الاقتصاد التونسي سيعاني في الفترة القادمة خاصة ما يتعلق منه بالغطاء للعملة التونسية هذا الغطاء الذي تسرب منه أكثر من طن ونصف من الذهب الذي سرق من قبل زوجة بن علي المعروفة بسطوتها وجبروتها في تونس .
ومن الضروري هنا أن نتوقف عند التجربة التونسية هذه التي سيكون تأثيرها في العالم العربي كبيرا جدا، وقد تمثل مشروعا نهضويا عربيا لكونها عمدت إلى آليات التغيير الداخلية وبالذات الشعبية دون الاستعانة بالعسكر أو قوى خارجية من شأنها أن تفرض إرادة مختلفة عن الإرادة الشعبية . لهذا فإن التغيير في تونس ستكون له انعكاساته على العالم العربي ومن شأن ذلك أن يحرك الكثير من المياه الراكدة أحيانا والمتوترة أحيانا كثيرة بين الشعوب وحكامها وسط حالة اقتصادية غير جيدة يعيشها أغلب مواطني الوطن العربي، وهذا ما حذر منه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في كلمته في مؤتمر القمة الاقتصادية العربية مؤخرا في شرم الشيخ المصرية.
هذا التنبيه أو التحذير الذي أطلقه الأمين العام للجامعة العربية يحمل فيما يحمله رسالة صريحة للحكام والقيادات في مختلف الدول العربية لمعالجة الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المواطن العربي وعلينا أن لا ننسى هنا بأن تشابه أوضاع البلدان العربية من شأنه أن يساهم كثيرا في بلورة رؤية مشتركة لدى شعوب المنطقة تحفزها للتغيير بذات الآليات التي استخدمها التوانسة في ثورة الياسمين التي لا زال عبقها يتسرب إلينا بهدوء.