سُرّاق الفكر
إن ما يصدره الشخص من أفكار ومشاعر ورؤى وتكون بين دفَّتي كتاب له أو في أحداث قصة ألّفها أو عناصر لمقال كتبه .. إنما هي تحت نظر تصرفه فقط ، وجزء لا يتجزأ من مُلكه الفكري والمعرفي ..
ولا يجوز لأحد أن يسلبها منه أو يتمثل بها بحجة أنها من نتاجه أو يرويها للغير بدون عزوها إلى مصدرها ، أو إسنادها إلى قائلها ، إضافة إلى أنه لا يجوز إيرادها إلا على سبيل الدلالة أو في معرض النقد أو المخالفة أو إبداء وجهة نظر أو غير ذلك ..
فالحقوق لابد أن تكون محفوظة ومن غير اللائق استخدام هذا الأسلوب الأرعن والذي يصادر حق الآخرين ويهمّش دور المبدعين والناجحين في عطائهم ونتاجهم الفكري والمعرفي , ويعطي من ليس له حق الأحقيّة الكاملة في التصرف بأفكار الغير ومجاوزة الحدود الإبداعية والثقافية .
ولعل أكثر ما نراه في وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي لأكبر دليل على ما تقدّم , فمن مؤلف لازال في بداية طريقه يأخذ جل أفكار مفكِّر شابت ذوائبه في التأليف والإبداع فيقدم ويؤخر ويختصر ويطيل ويضيف على الكلام ما ينمِّقه من أمثال وأبيات شعرية وغيرها ..
ثم يُغيِّر العنوان ويصدر هذا النتاج بدون حتى إذن شفوي من ذلك المفكر ، غاشاً بذلك جمهور القراء ومستهزأ بعقولهم وذواتهم الثقافية , إلى قاصٍ يجد على أرفف مكتبة قديمة قصة رائعة تعود لروائي متوفى قد حاز على الإعجاب من أبناء جيله وتفوق على أصدقاء الموهبة ، فيغير الشخصيات ويضيف بعض الأدوار ، ويحذف القليل من المشاهد .. فيخرج بقصة تحوز على إعجاب الجميع و تحيطه تهاني النجاح ..
وهو في الحقيقة ليس إلا فناناً في التلاعب ومبدعا في خيانة نفسه وقارئ حرفه , إلى شاب أحب الشعر ، وأعجب بإلقائه والتمثل به في مجالس أقرانه ورأى أن الشعر طريق للبروز والشهرة خاصة في هذا الزمن الذي أصبح الشعراء فيه أكثر من أبيات المتنبي ..
فحفظ القصيدة الأولى وقالها في حفل مدرسته , وحفظ الأخرى وألقاها في مجلس قبيلته ، وقال الثالثة في منتدى مدينته حتى أصبح ذلك الشاعر من الذين يُشار إليه بالبنان ولكن للأسف فإن هذا البنان لا يُشار إلا إلى لص محترف جهل مجتمعه خبثه وتعديه على نتاج الآخرين .
إن هذه مجرد أمثلة لأناس سرقوا الفكر من أصحابه , وانتحلوا شخصيات ليسوا أهلاً لها , وصادروا بذلك كله إما تاريخ يفخر بأبنائه , أو إبداع تعب المهتمين بإظهاره وإيجاده .
إن مثل هؤلاء لابد أن يوبّخوا على ما يقومون به من سرقة للفكر والإبداع , وأن يُجعل لهم حداً لا يتجاوزونه بهذه السهولة المطلقة ، وأن يشهّر بهم , ويؤدبون من مجتمعاتهم على غشهم وتحايلهم عليها واستخفافهم بعقولهم وأوقاتهم .. أولئك ( سرّاق الفكر ) الذين يرتدون ثيابا ليست لهم ..