صفات البشر لا تتطابق بالمعنى المطلق، ولكنها قد تتقارب، وقد تتجاذب الأرواح البشرية أو تتنافر.
كتب ـ نضال عساف
سأتحدث عن ظاهرة ليست بالجديدة ولكنها متفشية، خاصة في المجالس العامة وفي أقبية مكاتب العمل. وللتمهيد أطرح تساؤلا عن مدى تأثر رأي القارئ في شخص غريب لم تعرفه إلا من خلال تناقل الأحاديث الشفوية عنه أو من خلال ملخص تجارب الآخرين ورؤاهم الشخصية عنه، وأنا لا أتحدث عن الأخلاق بل أقصد الطباع والصفات العامة كالغرور؛ البخل؛ التملق؛ دماثة الخلق... الخ.
سواء حدث الناقل عن صفات تؤدي إلى ذم الغريب أو تفيض في مدحه، فإن ذلك سيؤثر على الانطباع المبدئي نحو هذا الشخص ثم يبني عليه السامع حباً أو بغضاً، ومدحاً أو ذماً، ولاكتشاف عكس ما يقال قد يتطلب ذلك برهة من الوقت، وفي لحظة التقاء مع هذا الشخص الغريب قد يصبح صديقك أو حتى غريمك.
صفات البشر لا تتطابق بالمعنى المطلق، ولكنها قد تتقارب، وقد تتجاذب الأرواح البشرية أو تتنافر وإلا أصبح كل البشر أصدقاء أو كلهم عداوة.
التروي في إطلاق الأحكام على الآخرين قد يجنب ما يتفشى بين البشر من ظواهر سلبية كالغيبة، والنميمة، وإطلاق الإشاعات مما قد يؤدي إلى الظلم. إطلاق الأحكام أمانة في عنق الناقل يتحمل وزرها أيضا من يرخي أذنيه لمجرد السماع دون تقصي الحقيقة والأشخاص الذين يعتمدون على التمحص والنظر قد تبدو انطباعاتهم أقرب إلى الدقة من الأشخاص الذين يقتصر اعتمادهم على حاسة السمع.
من صفاتنا نحن البشر أننا عاطفيون نتأثر بالأحاديث الشفوية المتناقلة التي قد لا تستند إلى برهان، ولا تكون نتاجا خالصا عن تجربتنا ورؤيتنا الشخصية، ولتقريب الفكرة استعير القول القائل: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه" الذي يمنح لقارئه على الفور انطباعا سيئا عن المعيدي بطل الحكاية ويصوره على أنه ذميم قبيح الهيئة.
ومثال آخر حين نضرب مثلا في البخل فنقول: "أبخل من مادر" مع أن صفة البخل لاتؤثر إلا في صاحب المثل وفي أهل بيته، فتناقل المثل يضع حاجزا نفسيا ما بيننا وبينه لتأثرنا بسوء بخله الذي لم نلمسه على فرض أنه حدث في الماضي البعيد؛ فكيف الحال في علاقاتنا البشرية الحاضرة!
يقول ابن قدامة المقدسي: لا تصدّق الناقل؛ لأن النمام فاسق، والفاسق مردود الشهادة. إن أكثر ما يؤدي إلى التوتر في العلاقات البشرية وبث الخلافات أن يفكر الإنسان بعقل غيره أو يصبح نسخة عن غيره فتنطبق عليه قاعدة أطفئ سراج عقلك واتبعني.
ها نحن نعيش أجواء شهر رمضان المبارك الذي يدعو البشر إلى الابتعاد عن الغيبة والتسامح وحسن النية ووصال القلوب لتعم راحة البال وينطفئ كل خلاف.