جلست تتأمل حيث الصحراء الواسعة المديدة والرمض الشديد وأشعة الشمس الحارقة
تتابع السراب وهو يتنقل من مكان لآخر وتراقب ظل الشجيرة وهو ينكسر شرقاً معلناً عن نهاية يوم مضى وبداية ليل طويل أوشك على الأقبال
........
بدأت ترتب أفكارها لتستقبل هذا الليل الطويل المترامي بين جنبات هذه الصحراء المديدة
لملمت أوراق مخيلتها وذهبت بها إلى دنيا أُخرى ( دنيا حالمة بل دنيا الأحلام والذكريات الجميلة ...دنيا الطفولة)
حيث كانت طفلة بريئة تلهو وتمرح مع الأطفال الصغار في سعادة وشقاوة تشوبها برائة وسذاجة الطفولة
كانت تقطن مع والدتها في منزلٍ صغير حيث أن والدها توفي قبل أن تشرق شمس عمرها في سماء هذه الدنيا
والدتها آهٍ من والدتها
كانت أم تتجرد من كل معاني الشرف والعفة والكرامة
......
سقطت في آبار الرذيلة فكانت عبدة لشهواتها عاشت حياة ماجنة بائسة
.......
تنقلت من بين أحضان رجل لآخر
........
.فلم تفرق بين حلالٍ ولا حرام كانت ساقطة بما تحوي هذه الكلمة من خبث ولؤم...
ورغم كل ذلك حافظت على أبنتها وعلى صورتها أمام ناظر إبنتها فكانت لها مثال الأم المضحية المربية الفاضلة الأم الحنونة التي ضحت بكل شئ من أجل أبنتها الوحيدة
أدخلتها أرقى المدارس وعلمتها بأحدث الطرق والآن تخرجت هذه الفتاة من الجامعة ولكن!!!!!!!
ولكن ماذا؟
ولكن ظلت أسيرة لأسئلة عدة لا تجد لها أجوبه
من هذا الرجل الذي كان عندنا اليوم؟
من هذا الذي يكلم والدتي في ساعات متأخرة من الليل؟
من هذا الذي أرسل لنا كل هذه الهدايا القيمة؟
لماذا كل الجيران يكرهون أمي ولا يحبونني؟
لماذا كل الفتيات لهن أصدقاء وصديقات وأنا كلما تعرفت على صديقة أخسرها بمجرد أن تتعرف علىّ والسبب أنا أبنت من؟
زاد همها وزاد ضيقها من الحياة ..
قررت أن تبحث عن وظيفة تنسيها كل هذا الهم وقد وجدتها
....
وفي يوم عادت إلى المنزل متعبة منهكة القوى من العمل المتواصل وعلى غير عادتها عادت مبكراً قبل أنتهاء ساعات العمل بكثير
.....
وكأنه يوم الغير عادة ولأول مرة حيث لم تفعلها منذ كانت طفلة صغيرة توجهت مباشرةً إلى غرفةِ والدتها
وفتحت الباب دون إستئذان بما أنه يوم الغير عادة
.......
ويا لما رأت......!!!!
سقطت على الأرض من هول ما رأت....
أمها وكل ماتملك من أهل في هذه الدنيا تفعل الرذيلة في أحضان رجل غريب.....
نهضت وأسرعت إلى المطبخ وكأنها في غيبوبة....
فلحقتها أمها إلى المطبخ لتشرح لها الموقف...
أي موقفٍ وقد ضاع كل شئ
...........
ضاع كل عناء السنين
....
وما إن وصلت إليها الأم حتى فاجأتها الأبنة بطعنةٍ بإحدى سكاكين المطبخ
....
كانت كافيه أن تودي بحياة الأم
.....
قتلت أمها وأنتقمت لشرفها..
صحيح أنها لم تكن في كامل وعيها وكانت تحت ضغط هيستيري إلا أنها لم تندم قط على هذه الفعلة...
عاشت بقية عمرها بين جدران هذا السجن الضيق .....
الذي وجدت فيه الراحة ......
فقد تصورت أنه صحراءٌ مديدة مترامية الأطراف......
عاشت وعاش معها سؤال.
هل أنا ظالمه ؟ أم مظلومه؟
ويبقى السؤال من الظالم ؟ ومن المظلوم؟؟