نحن الى الهدى احوج منا الى الطعام والشراب
_____________________________________
[]قال أبن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية :
وَ لِهَذَا كَانَ أَنْفَعُ الدُّعَاءِ وَ أَعْظَمُه وَ أَحْكَمُه دُعَاءَ الْفَاتِحَة:
{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ *
... غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ * وَلَا الضَّالِّينَ } .
فإنه إِذَا هَدَاه هَذَا الصِّرَاطَ أَعَانَه على طَاعَتِه وَ تَرْكِ مَعْصِيَتِه ،
فَلَمْ يُصِبْه شَرٌّ ، لَا في الدُّنْيَا وَ لَا في الْآخِرَة .
لَكِنَّ الذُّنُوبَ هي لَوَازِمُ نَفْسِ الْإِنْسَانِ ، وَ هُوَ مُحْتَاجٌ إلى الْهُدَى كُلَّ لَحْظَة ،
وَ هُوَ إلى الْهُدَى أَحْوَجُ منه إلى الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ .
لَيْسَ كَمَا يَقُولُه بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: أنه قَدْ هَدَاه !
فَلِمَاذَا يَسْأَلُ الْهُدَى؟!
وَ أنَّ الْمُرَادَ التَّثْبِيتُ، أَوْ مَزِيدُ الْهِدَايَة!
بَلِ الْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إلى أَنْ يُعَلِّمَه الله مَا يَفْعَلُه مِنْ تَفَاصِيلِ أَحْوَالِه ، و إلى مَا يَتْرُكُه مِنْ تَفَاصِيلِ الْأُمُورِ ،
في كُلِّ يَوْمٍ ، و إلى أَنْ يُلْهِمَه أَنْ يَعْمَلَ ذَلِكَ . فإنه لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ عِلْمِه إِنْ لَمْ يَجْعَلْه مُرِيدًا لِلْعَمَلِ بِمَا يَعْلَمُه ،
وَ إِلَّا كَانَ الْعِلْمُ حُجَّة عليه ، وَ لَمْ يَكُنْ مُهْتَدِيًا .
وَ الْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إلى أَنْ يَجْعَلَه الله قَادِرًا على الْعَمَلِ بِتِلْكَ الْإِرَادَة الصَّالِحَة ،
فَإِنَّ الْمَجْهُولَ لَنَا مِنَ الْحَقِّ أَضْعَافُ الْمَعْلُومِ ، وَ مَا لَا نُرِيدُ فِعْلَه تَهَاوُنًا وَ كَسَلًا
مِثْلُ مَا نُرِيدُه أَوْ أَكْثَرُ منه أَوْ دُونَه ، وَ مَا لَا نَقْدِرُ عليه مِمَّا نُرِيدُه كَذَلِكَ ،
وَ مَا نَعْرِفُ جُمْلَتَه وَ لَا نَهْتَدِي لِتَفَاصِيلِه فَأَمْرٌ يَفُوتُ الْحَصْرَ .
وَ نَحْنُ مُحْتَاجُونَ إلى الْهِدَايَة التَّامَّة ، فَمَنْ كَمُلَتْ له هذه الْأُمُورُ كَانَ سُؤَالُه سُؤَالَ تَثْبِيتٍ ،
و هي آخِرُ الرُّتَبِ .
وَ بَعْدَ ذَلِكَ كله هِدَايَة أخرى ، و هي الْهِدَايَة إلى طَرِيقِ الْجَنَّة في الْآخِرَة .
وَ لِهَذَا كَانَ النَّاسُ مَأْمُورِينَ بِهَذَا الدُّعَاءِ في كُلِّ صلاة ، لِفَرْطِ حَاجَتِهِمْ إليه ،
فَلَيْسُوا إلى شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إلى هَذَا الدُّعَاءِ .
فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الله بِفَضْلِ رَحْمَتِه جَعَلَ هَذَا الدُّعَاءَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ
الْمُقْتَضِيَة لِلْخَيْرِ ، الْمَانِعَة مِنَ الشَّرِّ .[/COLOR][/SIZE]